الخميس، 23 يونيو 2011

مفهوم البدعة وموقف السلفيين منها


يعتقد السلفية بأن البدعة هي: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالسلوك على الطريقة الشرعية.
وبحسب هذا التعريف؛ فمن معالم العقيدة السلفية كراهيتهم لما يعتبرونه بدعًا. كما يبغض السلفيون من يعتبرونهم أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم. ويحذرون منهم ومن بدعهم، ولا يألون جهداً في نصحهم وزجرهم عن بدعهم.

البدعة، لغةً تعني «إحداث شيء (مادّي أو معنوي) لم يكن موجوداً من قبل», ومنها اشتقت كلمة "إبداع", واصطلاحاً في الإسلام, كما عرّفها الشاطبي: «هي طريقة في الدّين مخترعة، تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبّد لله تعالى».

البدعة في الأحاديث النبوية

ورد التحذير من البدعة المخالفة للشريعة بأحاديث كثيرة لرسول الإسلام محمد بن عبد الله، منها:
  • أخرج البخاري: «عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"» .
  • أخرج مسلم: «عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أما بعد, فإن خير الحديث كتاب الله, وخير الهدى هدى محمد, وشر الأمور محدثاتها, وكل بدعة ضلالة"» .
  • أخرج مسلم: «عن المنذر بن جرير عن أبيه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سَنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده؛ من غير أن ينقص من أجورهم شيء, ومن سَنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده, من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"» .

أقوال علماء السنة في البدعة

  • قال أبو حامد الغزالي: «ليس كل ما أبدع منهيّاً عنه، بل المنهيّ عنه بدعة تضاد سنّة ثابتة وترفع أمراً من الشرع» .
  • قال ابن رجب الحنبلي: «والمراد بالبدعة ما أحدث مما ليس له أصل في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل في الشرع يدلّ عليه فليس ببدعة، وإن كان بدعة لغة» .
  • قال ابن الأثير: «البدعة بدعتان؛ بدعة هدى وبدعة ضلالة، فما كان في خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو في حيز الذمّ والإنكار، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب إليه وحضّ عليه فهو في حيز المدح» . وقال: «والبدعة الحسنة في الحقيقة سنّة، وعلى هذا التأويل يحمل حديث "كل محدثة بدعة" على ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة».
  • قال ابن تيمية: «ما رآه المسلمون مصلحة إن كان بسبب أمر حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم فها هنا يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه» .

أقسام البدعة

«هناك بعض العلماء قسموا البدعة إلى بدعة حسنة، وبدعة سيئة، وبعضهم قسمها إلى خمسة أقسام، بأقسام أحكام الشريعة الخمسة: بدعة واجبة، وبدعة مستحبة، وبدعة مكروهة، وبدعة محرمة، وبدعة مباحة» ، وممن قال بهذا التقسيم:
  • العز بن عبد السلام كما نقل ذلك عنه النووي حيث قال: «قال الشيخ الإمام المجمع على جلالته وتمكنه من أنواع العلوم وبراعته أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه في آخر كتاب القواعد: "البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرّمة ومندوبة ومباحة"» .
  • النووي في شرحه على صحيح مسلم ما نصه: «قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وكل بدعة ضلالة" هذا عام مخصوص, والمراد غالب البدع, قال العلماء: البدعة خمسة أقسام: واجبة, ومندوبة, ومحرمة, ومكروهة, ومباحة, فمن الواجبة نظم أدلة المتكلمين للرد على الملاحدة والمبتدعين وشبه ذلك, ومن المندوبة تصنيف كتب العلم وبناء المدارس والرُّبط وغير ذلك, والحرام والمكروه ظاهران"» . ثم قال: «فإذا عرف ما ذكرته علم أن الحديث من العام المخصوص, وكذا ما أشبهه من الأحاديث الواردة, ويؤيد ما قلناه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التراويح: نعمت البدعة, ولا يمنع من كون الحديث عامًّا مخصوصًا قوله: (كل بدعة) مؤكدًا بكل, بل يدخله التخصيص مع ذلك, كقوله تعالى: "تدمر كل شيء"» .
  • الشافعي حيث قال: «المحدثات ضربان؛ ما أحدث يخالف كتابًا أو سنةً أو أثرًا أو إجماعًا فهذه بدعة الضلال, وما أحدث من الخير لا يخالف شيءًا من ذلك فهذه محدثة غير مذمومة» . وقال أيضاً: «البدعة بدعتان: محمودة ومذمومة, فما وافق السنة فهو محمود, وما خالفها فهو مذموم» .
إلا أن بعض العلماء رفض تسمية "بدعة حسنة" وأحب أن يقال بدلاً منها "مصلحة حسنة" لذلك رفضوا هذا التقسيم. وحملوا الحديث: "كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة" على عمومه وغير مخصوص بشيء, وأن المراد به كل ما أحدث وليس له أصل في الشرع, أما ما كان له أصل في الشرع؛ بأن دلت عليه قواعد الشرع العامة فليس ببدعة أصلاً, بل هو من الدين, وبالتالي فلا يصح تقسيم البدعة في الشرع إلى محمودة ومذمومة حسب قولهم.

أمثلة على بدع حسنة

من البدع الحسنة التي لها أصل في الشرع أحدثت بعد رسول الإسلام محمد بن عبد الله:
  • جمع المصحف بين الدفتين بإشارة عمر بن الخطاب على أبي بكر خوف ضياعه.
  • اجتماع الناس على صلاة التراويح برأي عمر بن الخطاب، حيث يقول عبد الرحمن بن عبد القاري: «خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: "إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل"، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: "نِعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون"، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله» .
  • جمع عثمان بن عفان للقرآن على الترتيب الذي عليه المسلمون حتى اليوم.
  • نقط يحيى بن يعمر المصاحف.
  • وضع أبي الأسود الدؤلي قواعد النحو بعد استشارة علي بن أبي طالب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق